1احاديث فى صبر الرسول صلى الله عليه وسلم
قد تحمل رسول الله صلى الله
عليه وسلم المشاق في سبيل نشر الإسلام، وكان أهل قريش يرفضون دعوته للإسلام
ويسبونه، ولا يستجيبون له، وكان جيرانه من المشركين يؤذونه ويلقون الأذى
أمام بيته، فلا يقابل ذلك إلا بالصبر الجميل. يقول عبد الله بن مسعود -رضي
الله عنه- عن صبر الرسول صلى الله عليه وسلم وتحمله للأذى: (كأني أنظر رسول
الله صلى الله عليه وسلم يحكي (يُشْبِه) نبيًّا من الأنبياء -صلوات الله
وسلامه عليهم- ضربه قومه فأدموه (أصابوه وجرحوه)، وهو يمسح الدم عن وجهه
ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) [متفق عليه].
2- الحلم عند الرسول صلى الله عليه وسلم
حلم النبي صلى الله عليه وسلم وظلم أعدائه له :
أيها
الأخوة ! ما عرف على هذه البسيطة -ولن يعرف- مظلوم من البشر تواطأ الناس
على ظلمه، وما فتئوا يصفونه بأحد ما وضعوا من ألفاظ مسفهة، في أعقاب نبوات
أعقب الشيطان ثمارها، على بقاء في لبه، ونور في دعوته، وصدق في حديثه، وثقة
في أمانته مثل رسول الله -بأبي هو وأمي- صلوات الله وسلامه عليه
فلقد نال الشتائم والسباب من كافة طبقات المجتمع، فقد هجاه شعراء، وسخر منه سادة، وآذاه عتارسة، ونال منه سحرة.
ولقد
شاء الله -سبحانه- أن يأتي اليوم الموعود الذي يفتح الله فيه على نبيه صلى
الله عليه وسلم بـ مكة ، حتى إذا ما دخل بالبيت وطاف جلس بالمسجد، والناس
من حوله، والعيون شاخصة إليه، والقوم مشرئبون إلى معرفة صنيعه بأعدائه
شبابهم وشيوخهم ..
فقال كلمته المشهورة: { يا معشر قريش! ما تظنون أني
فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: فإني أقول لكم ما قال
يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم! اذهبوا فأنتم الطلقاء }
فيسلم
حينها العظماء ويتوبون، كأمثال: هند بنت عتبة ، و عكرمة بن أبي جهل ، ويئوب
الشعراء، ويعتذرون إليه؛ كـ ابن الزبعري و كعب بن زهير ، فلا ينال الجميع
منه إلا العفو والتغاضي.
الله أكبر! ما أجمل العفو عند المقدرة!
والله أكبر! ما أجمل السعة عند الضيق والعزة عند الذلة!
ومن أحق بذلك إن لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدق الله إذ يقول: { وإنك لعلى خلق عظيم } [القلم:4].
أيها
الأحبة ! بهذا الموقف وبغيره من المواقف العظيمة عالج رسول الله صلى الله
عليه وسلم محو الجاهلية، وقطع ظلامها، بأنواع المعرفة والإرشاد، ومنع
الفساد فيها بحلمه وعفوه { ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك }
[آل عمران:159].
لقد
كفكف الرسول صلى الله عليه وسلم من نزوات الجاهلية، وأقام أركان المجتمع
على الفضل وحسن التخلق، ونبذ الجهل والغضب، وكثير من النصائح التي أسداها
للناس كافة كانت تتجه إلى هذا الهدف
3-االعفو عند الرسول صلى الله عليه وسلم
من السبل التي كان يسلكها النبى صلى الله عليه وسلم في تأليف مدعويه
الإحسان إليهم بالعفو والامتنان ، وذلك من كمال حكمته صلى الله عليه وسلم
حيث كان يتألف الناس بما يعلم فيه صلاحهم ، فإن كانوا ممن يؤثر المال
تألفهم بالمال ، وإن كانوا سوى ذلك تألفهم بما يتناسب وحالهم ، فكان صلى
الله عليه وسلم كثيرا ما يتألف بالعفو ممتثلا قول الله عز وجل : { خُذِ
الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } سورة
الأعراف ، الآية : 199 ، وقوله سبحانه : { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ
وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } سورة فصلت ، الآية :
34 .
ومما يدل على ذلك من أفعاله صلى الله عليه وسلم
ما رواه البخاري « عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه غزا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد ، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم
قفل معه فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه فنزل رسول الله صلى الله عليه
وسلم وتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر ، ونزل رسول الله صلى الله
عليه وسلم تحت سمرة ، فعلق بها سيفه ، قال جابر : فنمنا نومة فإذا رسول
الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فجئناه ، فإذا عنده أعرابي جالس ، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم ، فاستيقظت
وهو في يده صلتًا ، فقال لي : من يمنعك مني ؟ قلت : الله ، فها هو ذا جالس ،
ثم لم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم » .
ففي هذا العفو والمن دليل على شدة رغبته صلى الله عليه وسلم في تأليف الكفّار ليدخلوا في الإسلام .
وقد كانت نتيجة هذا العفو كما يرغب صلى الله عليه وسلم ، حيث أسلم الرجل ورجع إلى قومه فاهتدى به خلق كثير.
لو علم الناس أن لذة العفو خير من لذة التشفى؛ لأن العفو يأتى
بالحمد والتشفى يأتى بالندم ، لو علموا هذا ما انتقم لنفسه إنسان ، لأنه لو
فعل كل إنسان هذا وانتقم لنفسه لانحطّ عالم الإنسان إلى درك السباع
والوحوش.
4_الوفاء بالعهد عند الرسول صلى الله عليه وسلم
عن
جابرٍ رضي اللَّه عنه قال : قال لي النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «
لو قدْ جاءَ مالُ الْبَحْرَيْن أعْطَيْتُكَ هكَذا وهكذا وَهَكَذا » فَلَمْ
يَجيءْ مالُ الْبحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وسَلَّم ، فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْن أَمَرَ أبُو بَكْرٍ رضي
اللَّه عنه فَنَادى : مَنْ كَانَ لَهُ عنْدَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وسَلَّم عِدَةٌ أوْ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا . فَأتَيتُهُ وقُلْتُ
لَهُ : إنَّ النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال لي كَذَا ، فَحثَى لي
حَثْيَةً ، فَعدَدْتُها ، فَإذا هِي خَمْسُمِائَةٍ ، فقال لي : خُذْ
مثْلَيْهَا . متفقٌ عليه
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ((أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ
الْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيَسْأَلُ هَلْ تَرَكَ لِذَلِكَ مِنْ
قَضَاءٍ فَإِنْ قَالُوا نَعَمْ إِنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى عَلَيْهِ
وَإِلَّا قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَلَمَّا فَتَحَ
اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ قَامَ فَقَالَ أَنَا أَوْلَى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَهُوَ
لِوَرَثَتِه)) .
(مسند الإمام أحمد)
الإنسان أحياناً
يقترض ، لكن عنده ما يغطي هذا القرض ، لعله يقترض مالاً سائلاً ، لكنه يملك
مالاً مجمداً يغطي هذا الدين ، فالذي يموت وعليه قرض أو دين ، وقد ترك ما
يغطيه كان يصلي عليه ، أما الذي يقترض ، وليس عنده ما يغطي هذا الدين كان
عليه الصلاة والسلام يقول صلوا على صاحبكم .
عَنْ عَمْرِو
بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ : ((أَوْفُوا بِحـِلْفِ
الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَزِيـدُهُ يَعْنِي الْإِسْلَامَ إِلَّا
شِدَّةً وَلَا تُحْدِثُوا حِلْفًا فِي الْإِسْلَام)) .
(سنن الترمذي)
لأن الإسلام كله حلف ، لكن ما كان من أحلاف الجاهلية يجب أن توفى
الإسلام مع مكارم الأخلاق ، فإذا كان في الجاهلية مكارم أخلاق هذه يجب أن
تؤدى ، الإسلام مع مكارم الأخلاق ، فما كان في الجاهلية من مكارم الأخلاق
أيّدها القرآن ، وما كان منها يحتاج لتعديل عدلها ، وما كان منها بعيداً عن
منهج الله فقد ألغاها .
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِي
اللَّه عَنْه أَنَّهُ قَالَ : ((يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْفِ نَذْرَكَ
فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً)) .
(صحيح البخاري)
النبي عليه الصلاة والسلام يطالب ربه أن يفي بوعده .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ : ((اللَّهُمَّ
إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ
تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ
حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ وَهُوَ فِي
الدِّرْعِ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ : ]سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ
الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ[
)) .
(صحيح البخاري)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ : ((دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا فَقَالَتْ هَا
تَعَالَ أُعْطِيكَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ قَالَتْ أُعْطِيهِ تَمْرًا
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا
إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ)) .
(سنن أبي داوود)
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((الْمُسْلِمُونَ
تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ
عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يَرُدُّ
مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ وَمُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ لَا
يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ وَلَمْ
يَذْكُرِ ابْنُ إِسْحَقَ الْقَوَدَ وَالتَّكَافُؤَ)) .
(سنن أبي داوود)
المؤمنون كتلة واحدة ، ((أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُم)) ، هم يد على من سواهم .
وعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي
ذِمَّةِ اللَّهِ فَلَا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي عَهْدِهِ فَمَنْ قَتَلَهُ
طَلَبَهُ اللَّهُ حَتَّى يَكُبَّهُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ)) .
(سنن ابن ماجة)
أنت حينما تصلي الفجر في جماعة أنت في ذمة الله ، ولك حق على الله .
أيها الإخوة : من أوفى بعهد الله من توحيده وإخلاص العبادة له أوفى الله بعهده من توفيقه إلى الطاعات ، وأسباب العبادة له .
أول وفاء أن تكون وفياً مع الله ، أن تنفذ ميثاق الله الذي واثقك به
، ميثاق الفطرة والعقل ، وميثاق الشرع ، عندك عقل يأمرك وينهاك ، وعندك
فطرة تكشف لك خطأك ، ومعك شرع فيه افعل ولا تفعل ، فأول وفاء يقتضي أن تكون
وفياً مع الله مع ميثاقه الذي واثقك به .
الذين يوفون بعهد
الله هم الألباب ، والذين باعوا أنفسهم وأموالهم لله فوعدهم أن لهم الجنة ،
ومن أوفى بعهده من الله ، قال تعالى :
(سورة النجم)
وازنه مع قوله تعالى :
(سورة الأعراف)
كم من إنسان في بيت الله الحرام ، وأمام الحجر الأسود يعاهد الله
على الطاعة ؟ فإذا عادوا إلى بلادهم كم من هؤلاء يكون وفياً لوعده الذي وعد
الله به ؟ .
أما نبيه إبراهيم :
أكبر
عهد العهد الذي بينك وبين الله ، ومن لم يكن فيما بينه وبين الله عهد لا
يوجد عهد بينه وبين الناس ، إياك أن تعلق أملاً على أن يفي إنسان بعهده معك
، إن كان هو في عهده مع الله خائن ، فليس فيه خير .
بشكل
أقرب : إنسان عاق لوالديه لا ترجو منه خيراً ، لو كان فيه خير لكان لوالديه
، الإنسان عاق في عبوديته لله ، فأي إنسان لم يفِ بعهد الله عز وجل لا
تنتظر منه وفاء لك !
لذلك عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ((لَا
تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ)) .
(سنن الترمذي)
الوفاء صفة أساسية في بنية المجتمع الإسلامي .
أضرب مثلاً أزمة الإسكان الطاحنة كان لها اسم أزمة السكن ، ثم اكتشف
أن في دمشق ما يزيد عن سبعمئة ألف بيت مغلق لا يؤجر قبل القانون الأخير
طبعاً ، لماذا ؟ لأن أي مستأجر يقول : أخرج من البيت بعد عامين ، ثم لا
يخرج منه حتى يموت ، لأن القانون معه ، ألغي الوفاء بالعهد ، لما نقض العهد
نشأت أزمة يسميها بعضهم أزمة سكن ، لا ، السكن موجود ، وهي في الحقيقة
أزمة إنسان .
واللهِ أعرف صديقين على مقعد الدراسة حينما
كبرا كان الأول تاجرًا كبيرًا ، وهو ليس مسلماً ، والثاني متكسب بسيط ،
فحينما أراد المسلم الزواج لجأ إلى صديقه تاجر البناء الكبير فاعتذر قال :
والله أنا ليس عندي بيت للإيجار ، بل عندي للبيع ، ألح عليه مرة ثانية ومرة
ثالثة ، ففي المرة الثالثة قال هذا المسلم لغير المسلم : عهد الله علي إن
أجرتني أحد البيوت المعدة للبيع ثم جاء من يشتريها سأخلي البيت في ثلاثة
أيام ، يبدو أن هذا الصديق قد رق قلبه ، ولم يأته زبون يرغب في شراء هذا
البيت ، أجّره هذا البيت ، وبعد عدة سنوات ارتفعت الأسعار من عشرين ألفًا
إلى مئتين ألف وإلى ثمانمائة ألف ، فجاء من يشتري هذا البيت ، فجاء صاحب
هذا البيت إلى المستأجر ، وطرق بابه ، وقال له : وعدتني أنه إذا جاء من
يشتري هذا البيت تسلمه لي في أيام ثلاثة ، أنا أعطيك ستة أشهر فقال له :
سمعاً وطاعة ، وبعد أيام ثلاثة طرق باب صاحب البيت ، وقدم له المفتاح ، هذا
لم يصدق ، فانطلق للبيت وجده فارغًا ، ونظيفًا ، ومعدًّا للسكن مباشرة ،
فلما أغلق الباب سأله أحد الجيران سؤالا فضوليا : كم أعطيته مبلغاً حتى ترك
البيت ؟ قال : لم أعطه شيئاً ، لكنه عاهدني على إخلاء البيت ، قال : عجيب
باع أثاثه بأبخس الأثمان ، وسكن في فندق !
فهذا الإنسان غير
المؤمن تحركت فطرته ، ما هذا الإسلام ؟ إنسان يبيع أثاث بيته باعه بلا ثمن ،
وانتقل إلى فندق من أصغر الفنادق ، هو وأهله ، وسلم البيت ، ويبدو أن هذا
الإنسان تاجر كبير فذهب إلى صديقه وقال : بالله عليك ارجع للبيت ، وهو لك ،
وسأبيعك إياه بالسعر الذي كان فيه يوم سكنت ! وأي شيء دفعت من أجرته هو
ثمن البيت ، ولك علي أن أعيد تأثيث هذا البيت على نفقتي !
لا يوجد عهد بين المسلمين أكبر شاهد على ذلك أزمة الإسكان ، لا يخرج ، يكون في أشد الحاجة ليسكن شهر .....
والله حدثني أخ ، طالب جارٌ من جار أن يعيره البيت ليطلي بيته ، وذهب
ثمانية وعشرين سنة ، قال : هذا الحاضر ، القانون معي ، والمحاكم أمامك ،
حينما ينقض بعضنا بعضاً عهده نسقط من عين الله .
بالجاهلية
امرؤ القيس أخذ ابنه رهينة معه أسلحة أودعت عنده أمانة ، فلما حوصر ، وطولب
أن يسلم الأسلحة فرفض فقتل ابنه فأصبح امرؤ القيس مثلاً في الوفاء ، نحن
حينما نوفي نرتقي لله عز وجل ، وحينما نخون الأمانة نسقط من عين الله ، وما
من صفة في الإنسان أرقى من أن يكون وفياً لعهده ، وقبل أن تعاهد انتبه
القضية ليست كلامًا بكلام ، القضية فعل ، حتى في عقود الزواج يقولون : اكتب
كما تريد ، كله حبر على ورق ، لا ، هذا مال يجب أن يؤدى ، ودين ممتاز ،
فالإنسان مادام الوفاء جزءًا من دين الإنسان قبل أن يَعِد فلينظر بماذا يعد
.
قصة طريفة ، لي قريبة جاء ابنها من أميركا ، ومعه ابن
صغير بالخمس سنوات ، يبدو أن الابن كثير الحركة قالت له جدته : اهدأ سآخذك
مساء إلى مكان جميل ، فلم تأخذه في المساء ، هو صغير ، عمره خمس سنوات ،
قال لها : أنت كاذبة ، من دون مبالغة تسع أعشار كلامنا لا معنى له ، تجد
شخصًا ، هذه دعها لي ، ثم لا ينفذها أبداً ، قالها وقتها ، ثم نسيها ، أما
المؤمن فكل كلمة تصدر عنه أنت لست مكلفًا أن تحمل نفسك مالا تطيق ، أما إذا
تكلمت كلمة فيجب أن تنفذها ، والله حتى من المختارين يعد ويعد ، و يعد ،
وينسى أن ينفذ ما وعد لذلك :
الوفاء بالعهد والعقد والوعد من صفات المؤمن ، والله عز وجل قال :
(سورة التوبة)
فأنت قبل أن تعد فكر أن هذا الوعد لا بد من أن يحقق ، حتى في أخص
خصوصياتك ، ومع من حولك ، ومع أولادك ، وأخوتك الوفاء بالعهد ، والوفاء
بالعقد ، والوفاء بالوعد ، هذه كلها من صفات المؤمن .
والحمد لله رب العالمين
ولو اردتم المزيد جئت اليكم ان شاء الله